العربية

(مسجد السلطان أحمد  ( المسجد الأزرق 

 
مسجد السلطان أحمد - المسجد الأزرق  
مسجد السلطان أحمد أو "المسجد الأزرق" بني من طرف السلطان أحمد الأوّل. وهو أحد أشهر وأهمّ المساجد في مدينة إسطنبول التركيّة. يقع المسجد غرب (آيا صوفيا) وجنوب ميدان السباق البيزنطي القديم. يشتهر المسجد بعمارته المميزة حيث يعد من أهم وأضخم المساجد  في العالم الإسلامي.
يتمتع هذا المسجد بمكانة تاريخية كبيرة، حيث أنه يعود إلى الدولة العثمانية. ويوجد بداخل المسجد فُسيفساء أزرق مما أعطى له اسم "المسجد الأزرق". والجدير بالذكر أن مسجد السلطان أحمد يضم 21043 قطعة خزفية تختلف في تصميمها ونقشها ولكن اللون الأزرق يغطي على المسجد من الداخل.
ومازال المسجد مفتوحًا إلى الآن ويتم إقامة الأذان به، وتقام فيه الصلوات الخمس.
بُني المسجد بين عامي 1018-1026ه / 1609-1616م حسب إحدى النقوش على أحد أبوابه.
 
السلطان أحمد الأول
السلطان أحمد الأول هو السلطان الرابع عشر من السلاطين العثمانيين والخليفة السادس من العثمانيين (الثالث والتسعون من خلفاء الإسلام)، ولد في محافظة (مانيسة) عام 1590م (12جمادى الأول 998 ه). هو ابن السلطان محمد الثالث والسلطانة (خندان). توفي والده فجأة بسبب مرض أصابه فتولى منصب والده وكان عمره أربع عشرة سنة. بقى على الحكم مدة أربعة عشر عاماً. وتوفي إلى رحمة الله سنة 1617م (23 ذو القعدة 1026 ه)
 
بناء المسجد
اتخذ السلطان أحمد قرار بناء مسجد يحمل اسمه، وقد بنى أجداده من السلاطين العثمانيين مساجد في أروع الأماكن على تلال إسطنبول السبعة، وكان يود أن يبني مسجدا في مكان مميز أسوة بأجداده، فأمر بالبحث عن مكان مناسب للبنيان، فوجدوا أن الأنسب مكان قصر الأباطرة في مواجهة مسجد (آيا صوفيا)، وقد كان المكان حينئذٍ قصور ومنازل فاشتراها جميعاً وهدمها؛ ثم أسند مهمة بناء المسجد إلى المعمار الرئيس للدولة العثمانية، المعمار صدفكار محمد آغا، الذي كان يعرف بعبقريته في ذلك الوقت. فبدأ بتشييد المسجد في أواخر عام 1609م. 
 
صدفكار محمد آغا
المعمار محمد آغا هو أحد أشهر المعماريين الأتراك بعد المعمار سنان والمعمار داود آغا.    جاء محمد آغا من إلباسان (ألبانيا) إلى إسطنبول عام 1562م واشتغل كحارس في ضريح السلطان سليمان القانوني، وبعد سنة انضم إلى الإنكشاريين كطالب ضابط (عجمي أوغلان). وقد عمل بعدة حرف، وتميز بحرفتي الصدفكارية والمعمارية. وقد تتلمذ على يد المعمار الشهير سنان. ثم تمّ إختياره بصفة المعمار الرئيس للدولة العثمانية في بداية القرن السابع عشر، فقام بعدة خدمات معمارية، منها ترميم المسجد الحرام وبناء هذا المسجد. وهو الذي وضع الميزاب الذهبي (مزراب الرحمة) في سقف الكعبة.
 
تشييده وافتتاحه
بُدئ ببناء المسجد في أواخر 1609 م الموافق للتاسع من شهر رجب من عام 1018 ه .
وقد قام السلطان أحمد بضرب أول مِعول لحفر الأساس مع شيخه عزيز محمود خُدائي وشيخ الإسلام محمد أفندي، وبتعيين المهندس صدفكار محمد آغا ليكون مسؤولًا عن البناء. وتفصيل مراحل العمل موجودة حاليًا في الرسالة المعمارية بمكتبة قصر (طوب قبي).
جرت مراسم الافتتاح في عام 1617م، على الرغم من أن الكتابة المنقوشة على باب المسجد والتي تشير إلى أنه قد افتتح في عام 1616م إلا أنه لم يكتمل البناء في السنة الأخيرة من فترة حكم السلطان أحمد الأول، وقد قام بدفع التكاليف الأخيرة لاستكمال الكلية خليفته السلطان مصطفى الأول. 
يُحكى بأن السلطان كان يشتغل مع العمال في بعض الأيام في الأساس وينقل التراب بقميصه وهو يدعو قائلاً؛ "اللهم تقبل هذه الخدمة من عبدك أحمد".
فُتح المسجد للمصلين في 27 رمضان 1025ه (07 اكتوبر1616م) ولكن تم تشييده بالكامل في (4 جمادى الآخر1026ه) الموافق ل(9 يونيو1617م) خلال سبع سنوات وخمسة أشهر وستة أيام. 
 
ملحقات المسجد
فمسجد السلطان أحمد يحتوي على قصر صغير للسلطان، كما يشمل عددًا من المدارس الدينية، ومستشفى، وسوق مغطى، وحمام تركي، ومطعم للفقراء، وسبيل ماء، ومرصد فلكي للتوقيت، وضريح السلطان، ومخبز، وتكية لضيافة الفقراء وأبناء السبيل.
 
المصلى 
أما قاعة الصلاة فهي مستطيلة الشكل، تُرى من الأعلى كنبتة برسيم ذات أربعة أوراق. طوله 53.50متر وعرضه 49.47 متر (2.662متر مربع)، تتوسطه قبة رئيسة كبيرة قطرها 23.5 متر وارتفاعها 43 متر ترتكز على أربعة دعائم اسطوانية ضخمة تسمى "قدم الفيل"، قطر الواحدة منها 5 أمتار، ومنقوشة بالزخارف بمهارة لا توصف. ويحفّ بالقبة الرئيسة أربع قبب ثانوية. 
 
النوافذ 
يُنار القسم الداخلي من المسجد بِـ260 نافذة. والنوافذ الكبيرة للمسجد تمنح انطباعًا بالاتساع . والنوافذ في الدور الأرضي من جهة المحراب مزينة باستخدام فن التزجيج.
 
المنظر الخارجي
للمسجد سور مرتفع يحيط به من ثلاث جهات، وفي السور خمسة أبواب، ثلاثة منها تؤدي إلى صحن المسجد واثنان إلى قاعة الصلاة. ويتكون الصحن من فناء كبير يتوسطه ميضأة سداسية محمولة على ستة أعمدة. ويظهر على أكبر الأبواب التي تؤدي إلى الصحن تفوق الفن العثماني. كما أن كل ركن من أركان المسجد مغطى بقبب صغيرة.
 
تصميم المسجد
وتصميم المسجد فخم جدًا رفيع الذوق. تغطي جدران المسجد قطع خزفية زرقاء اللون مما أعطى له اسم ’المسجد الأزرق‘ و الجدير بالذكر أن مسجد السلطان أحمد يضم 21043 قطعة خزفية مختلفة التصميم، وبعض هذه القطع نقشت بأروع أشكال الأزهار بجانب رسومات لأشجار السرو. صُنعت القطع يدويًا في مدينة إزنيك (نيقية قديمًا).
 
القبة
يتوج مسجد السلطان أحمد قبة رئيسة وأربع قبب ثانوية للدمج بين الفن العمارة العثماني المتفوق والعناصر البيزنطية المستوحاة من مسجد آيا صوفيا المجاور له. يوجد في القبة الأساسية نوافذ مصنوعة من زجاج ملون بتصميم لم يتم اكتشافه إلى الآن، لأن زجاج النوافذ تعرَّض بمرور الزمان للتلف؛ مما أدى إلى استبداله بزجاج آخر، ولم يبق منه الآن سوى القليل. وتنظيم النوافذ جعل القبة كأنها معلقة في الهواء.
 
حسن الخط في مسجد السلطان أحمد
تشمل التصميمات آيات مزخرفة من القرآن الكريم أغلبها قدمت من سيد قاسم الغباري  الذي كان يعتبر أكبر خطاط في ذلك الوقت. (ولقب بالغباري لأنه كتب سورة الإخلاص على حبّة الأرز، وهي محفوظة في متحف قصر طوب قبي). القبة الأساسية خُطّت فيها الآيات ٣٥-٣٦ من سورة النور. 
 
المحراب المذهب
أهم عنصر بداخل المسجد هو المحراب المذهب المصنوع من رخام منحوت بشكل رفيع، يزين أعلاه مقرنصات ولوحتان عليهما آيات من القرآن الكريم. ومكتوب في أعلاه آية ٣٧ مِن سورة آل عمران.
 
 المنبر المذهب
على يمين المحراب نجد المنبر الذهبي المزخرف بأناقة، الذي يعلوه شكل مخروطي. المسجد مصمم بطريقة حيث يستطيع كل المصلين حتى في أوقات احتشاد المسجد وامتلائه بالكامل أن يروا ويسمعوا الإمام.
 
الكرسي
يتم استخدامه لإلقاء المواعظ والدروس، وصنع الكرسي بحرفية خاصة في فن النجارة تسمى بِـ(الكنده كارية)، وهو تعشيق الأخشاب مع بعضها بدون استعمال المسامير وذلك بإدخال بعضها ببعض. وهو مغطى بالصدف للتزيين.
 
الجناح السلطاني
هو قصر صغير في الجهة الشرقية الأمامية من المسجد، ولها ارتباط مباشر بالمصلى. كان السلطان يستريح  فيه ويتهيأ للصلاة ، ثم يدخل منه  إلى مقصورته في المصلى.
 
مقصورة السلطان
تقع في جنوب شرق المسجد داخل المصلى، وقد بُني ليلحق السلطان بالجماعة بأمان في أيام الجمعة،  وتحتوي على محراب وردهة، وغرفة صغيرة كان السلطان يستفيد منها للعزلة لأوراده وأذكاره في بعض الليالي. 
 
محفل المؤذن
وهو مكان مرتفع للمؤذنين يقع في جانب العمود الكبير في جهة الغربية من القبّة، وعمومًا نرى مثل هذه في المساجد الكبيرة في اسطنبول. 
 
الصوت
استخدمت في كسوة الجدران داخل المسجد أنواع مختلفة من الرخام، وقد صممت بعبقرية معمارية بحيث ينتشر الصوت في كافة الجهات داخل المسجد بشكل متوازن وبنغمات مختلفة. 
 
المآذن
يعلو المسجد ست مآذن لاقت صعوبات في تشييدها، إذ كان المسجد الحرام يحتوي على ست مآذن ولاقى السلطان أحمد نقدا كبيرا على فكرة المآذن الست معتبرينها مقارنةً أو تشبيهاً لمسجده بالمسجد الحرام، لكنه تغلب على هذه المشكلة بتمويل بناء المئذنة السابعة في المسجد الحرام ليكون مسجده المسجد الوحيد في تركيا الذي يحوي ست مآذن.
المآذن الاربع حول القبة ذات ثلاث شرفات والمئذنتان حول الصحن ذات شرفتين المجموع ١٦ شرفات. ولكل مأذنة سلم حلزوني. ويوجد قصص حول المآذن ولكن كثير منها غير صحيحة.
 
فناء المسجد
يتساوى تقريبا مع مساحة المسجد نفسه من الداخل. وهو محاط برواق معمد متصل، تعلوه مجموعة من القبب الصغيرة، ويوجد على جانبيه أماكن للوضوء، ويوجد تحت الصحن دهاليز كبيرة لتخزين المياه.  أما بالنسبة للنافورة السداسية في المنتصف فهي صغيرة نوعًا ما مقارنة بحجم الفناء. 
 
الميضأة
يوجد بجهتي صحن المسجد رواقان معمدان خصصا للوضوء.  ويوجد ميضأة خاصة للسيدات بجانب الحمامات.
 
البوابة الرئيسة
البوابة الضيقة التي تصل بك لفناء المسجد تبرز من الخارج بصورة معمارية فنية، حيث تحتوي على مقرنصات تزين مدخلها، وتعلوها قبة صغيرة. كما توجد سلسلة حديدة ثقيلة مُعلّقة في أعلى مدخل الساحة في الجزء الغربي، فكان السلطان هو المخول بدخول هذه المنطقة ممتطيًا جواده، وكان يخفض رأسه كل مرة يدخل ساحة المسجد كي لا يصطدم بالسلسلة. هذه إيماءة رمزية لتأكيد عبودية الحاكم لعظمة الله.
 
 المدرسة
تقع شمال شرق المسجد قرب ضريح السلطان أحمد. شيدت هذه المدرسة بشكل مربع وسقفها مكون من قباب متعددة ولها حديقة مريحة. كان يدرَّس فيها علوم الحديث والقرآن، فسمي بدار الحديث وأُلتُزِم فيها بتدريس صحيحي البخاري ومسلم.
 
 دار التوقيت
هو مرصد فلكي صغير لحساب أوقات الصلاة. إذ كان للمساجد الكبيرة قسم مخصص لرصد أوقات الصلاة وتبليغه في عهد العثمانيين.
 
 مدرسة الصبيان
هي مدرسة صغيرة كان يدرس فيها الأطفال الصغار، تقع في الجهة الشرقية من المسجد مقابل قصر السلطان، مبنيّ علي شكل مربع. هذا المكان يستعمل كمركز استعلامات ثقافية وإرشادات دينية للزوار في يومنا هذا. 
 
السوق المغطى - آرستا بازار 
يقع سوق آرستا في الجهة القبلية من المسجد، وهو سوق مغطى يباع فيها ملابس وأحذية تقليدية وهدايا تذكارية.
 
الحمام
بني بخطة مسدس مثير للاهتمام بالنسبة لهذه الفترة، وهو تالف وعاطل اليوم، لأنه احترق في حريق اسحاق باشا عام ١٩١٢م وترك على حاله، ولم يرمم حتي يومنا هذا.
التكية  (عمارة خانة) 
هي بيت تقدم فيها خدمة المبيت والطعام للفقراء والمساكين وابن السبيل. تقع غرب المسجد، جانب دار الشفاء. وفي يومنا هذا هي مدرسة ثانوية. والطريق يفصل بينها وبين المسجد. 
 
دار الشفاء
وهو مشفى بني بشكل مربع، مسقوف بقباب ذي أروقة، ومكونة من ٢٦ غرفة. كان يقدم فيه الخدمات الطبية مجانا لكل من يحتاج.
 
ضريح السلطان
هو بنيان مربع من الرخام في الجهة الشمالية للمسجد (جبهة آيا صوفيا)، وله قبة كبيرة، وداخلها قطع خزفية وآيات قرآنية من كل جانب. دفن في هذا المكان السلطان أحمد الأول، والسلطان مراد الرابع، وعثمان الثاني وغيرهم من أولاده. 
 
كتاب وقفية المسجد
سند وقفية المسجد حفظ في متحف الآثار الإسلامية، ويتركز على تنظيم أحوال المشتغلين 
في المسجد ومشتملاته من المستشفى وباقي العمارات، كاستقبال المحتاجين وخدمتهم بوجه متبسم وقول لين، وتجنب إخجالهم عند الخدمة لهم. والسلطان دعى على من سعى في خرابها في آخر الكتاب بقوله؛
"من اقترب من الأوقاف المعمورة بكمالها، والمسطورة في هذا السند بقصد إلحاق ضرر، مباشر أو غير مباشر، أو عن طريق مساعدة شخص لايتحذّر من حضرة رب العزة، فليصدُق عليه مِصداق آية *فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ*، وليُعدَدْ وليُذكرْ من زمرة الظالمين في هذه الدنيا وليُحشَرْ مع فرقة المعاتَبين والمعذَّبين في عقبى الدار. ومن جهد لإبقاء أصله وفرعه، ونماء محصوله وريعه، فليكن سعيه الجميل مشكورا، وأجره الجزيل موفورا غير محصور في حضور ربٍّ غفور، وليكن مصونا ومستورا من المكاره. * فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* وأجر الواقف على الحي الجواد الكريم."
يسع هذا المسجد لِ١٠٠٠٠ مصلي، ويستقبل ما يزيد علي ٣٠٠٠٠ سائح يوميا.
بعدما بنى هذا المسجد وفتحه للعبادة بقليل ارتحل السلطان أحمد الأول إلى دار البقاء عام    ١٦١٧م. 
 
رحمهم الله آمين